معاناة النازحين واللاجئين من أزمات المياه
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، فلا شكَّ أن الماء عصبُ الحياة ووسيلة البقاء، وأنَّ اِنعدامه يعني هلاك كلّ مظهر من مظاهر الحياة؛ وهذا ما يعانيه الملايين من النازحين القابعين في مخيمات اللجوء، الذين يُجاهدون في سبيل الحصول على قطرة ماءٍ آمنة لهم ولأطفالهم.
فما هي مخاطر أزمة المياه على حياة اللاجئين؟ وما الحلول المُقترحة لتخفيف وطأة المعاناة لديهم؟ هذا ما سنناقشه في السطور التالية.
أسباب نقص المياه في مخيمات اللاجئين
يكمن السبب وراء شحّ الموارد المائيّة في مجتمعات اللاجئين، في مجموعة من العوامل:
- إقامة المخيمات في مناطق نائية يصعبُ وصول شبكات المياه إليها.
- الكثافة السكانية واِكتظاظ أعداد اللاجئين ضمن المخيّم الواحد.
- تأثير الجفاف، لا سيما مع حلول فصل الصيف وموجات الحرّ القاسية.
- غياب الحلول المستدامة مثل حفر الآبار أو تمديد شبكات المياه.
- النقص الشديد في الدعم والتمويل اللازم لتحسين واقع خدمات المياه في المخيمات.
مشاكل المياه في المخيمات
كنتيجةٍ طبيعية لاِنعدام المياه الصالحة للاِستخدام البشري، ظهرت حزمة من الأزمات وسط مخيمات اللاجئين، تهدد حياة قاطنيها بصورةٍ مباشرة، وتجعل الأمور أكثر سوءاً على كافّة الأصعدة كالصحّة والغذاء والتعليم وسبل كسب العيش. يمكن تلخيص مشاكل المياه في المخيمات وفق محورين رئيسيين:
مشاكل الصرف الصحي
إليك بعض الحقائق والأرقام حول مشاكل الصرف الصحّي عالمياً:
- هناك نحو (3.6) مليار نسمة عاجزين عن الوصول لمراحيض آمنة ونظيفة.
- لا يزل حوالي (500) مليون إنسان يمارسون التغوّط في العراء.
- یموت يومياً أكثر من (800) طفل دون سن الخامسة؛ نتيجة الإسھال الناتج عن اِستخدام المياه الملوّثة والصرف الصحي غیر الآمن وسوء النظافة الصحیة.
- تتضرّرُ المیاه الجوفیة بشدّة بسبب غياب شبكات الصرف الصحي، على الرغم من أنها تمثّل نصف المیاه المستهلكة في الاِستخدام المنزلي، بما في ذلك میاه الشرب للغالبیة العظمى من السكان.
- يحقق كل دولار واحد يُنفق على تحسين خدمات الصرف الصحي عائداً قدره (5) دولارات، نتيجة توفير التكاليف العلاجيّة وزيادة الإنتاجية وتراجع أعداد الوفيات المبكرة.
يُمثّل سكّان المخيمات فئةً ضخمة من ضحايا هذه الإحصائيات، كما يمكن أن يؤدي سوء خدمات الصرف الصحي لديهم إلى اِنتشار الأوبئة والأمراض كالنار في الهشيم، وعلى رأسها الأمراض الجلديّة – مثل القمل والجرب وداء الليشمانيات – وأمراض الجهاز الهضمي.
مشاكل مياه الشرب النظيفة
ليست الظروف أقلَّ سوءاً عندما نتحدّث عن حال المياه الصالحة للشرب والطهي، إذ يشكو اللاجئون من نقصٍ في الموارد وتلوّث الموارد المتاحة منها؛ ممّا يدفع الآلاف منهم نحو دائرة الخطر المحدق، إذ يرتبط تلوث المياه وتردي خدمات الصرف الصحي باِنتقال أمراض – مثل الكوليرا والإسهال والزحار واِلتهاب الكبد والتيفوئيد وشلل الأطفال- التي يكون معظم ضحاياها من النساء والأطفال.
كما تشير التقديرات إلى وفاة حوالي (829) ألف شخص سنوياً بسبب الإسهال، نتيجةً لعدم مأمونية مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي وعدم الحفاظ على نظافة اليدين، كما سجّلت “منظمة الصحة العالمية” في ختام العام (2022) وجود (81) حالة وفاة بسبب الكوليرا في سوريا، وأكثر من (24) ألف حالة مشتبهٌ بها، ثم اِنتشرت الكوليرا بعدها إلى لبنان.
طرق توفير المياه للمخيمات
نعمل في منظمة بنيان الإغاثيّة على تقديم مجموعة من الحلول الفعّالة، لتحسين واقع المياه والصرف الصحّي في مخيمات اللاجئين، وندعوكم من خلالها إلى دعم آلاف المستضعفين من العجائز والنساء والأطفال الذين يقضون جلّ يومهم على طوابير المياه.
قال رسول الله ﷺ: «أفضل الصدقة سَقْيُ الْمَاءِ»، فصدقة الماء من الصدقات الجارية دائمة الأجر والثواب.
حفر الآبار لتأمين مياه الشرب
ليس بوسعنا وصف الفرحة التي تدخلُ قلوب اللاجئين صغاراً وكباراً، عندما يعلمون أنهم على وشك اِمتلاك مصدرٍ دائم للمياه النظيفة بالقرب من خيامهم، مما سيرفع عن كاهلهم عذاباً اعتادوا عليه، بعد أن كانوا مُجبرين على قطع آلاف الأمتار مشياً على الأقدام مطلع كل صباح للوصول إلى مصادر المياه الآمنة، إلى جانب توفير ساعات طوال يمكن أن يقضيها الأطفال في التعليم، وأن يتفرّغ فيها الآباء لكسب لقمة عيشهم.
بناء حمامات ومراحيض خارجية والحفر الفنية
يعدُّ هذا النوع من المشاريع ذات الأهميّة القصوى والفوائد العظيمة، أحد أفضل الخطوات التي يمكن تنفيذها في مخيمات اللاجئين، إذ أن بناء الحمامات والمراحيض وشبكات الصرف الصحّي؛ له دورٌ رئيسي في القضاء على الأمراض والحدّ من اِنتشار الأوبئة بين الأفراد ورفع مستوى الصحّة العامة بينهم.
تُنفّذ هذه المشاريع على مرحلتين:
- المرحلة الأولى: تجميع مياه الصرف الصحي الخاصّة بكل بيت في المخيم، وبناء شبكة صرف صحي عبر خط أنابيب موصول بخزان (حفرة فنيّة) داخل كل منطقة.
- المرحلة الثانية: تشتمل على بناء شبكة من الأنابيب التي تنقل مياه الصرف الصحي من هذه الخزّانات إلى محطة خاصّة لمعالجتها.
خزانات حفظ مياه الشرب ومياه النظافة
من الحلول الرائجة أيضاً، تأمين خزانات ضخمة لحفظ مياه الشرب داخل المخيمات، حيث يمكن لجميع اللاجئين الاِستفادة منه والوثوق بنظافة ما بداخله، إذ يتم تعبئتها بالمياه المعالجة دوريّاً من قبل منظمات ومؤسسات عديدة. يمكن اِعتبار هذا الإجراء أحد الحلول المؤقتة، إلّا أنه منقذٌ مثالي ريثما يتم إيجاد حل جذري ودائم.
شاحنات لنقل المياه
لا يُمكن الاِستغناء عن خدمات شاحنات نقل المياه في كافّة الظروف والأوقات، إذ يبرز دورها العظيم في الاِستجابة حالات الطوارئ، كتغطية اِحتياجات العائلات الوافدةِ حديثاً إلى المخيمات، أو لتعويض عجزٍ أو عطلٍ مُفاجئ قد يصيب أحد مصادر المياه الموجودة مسبقاً.
المحتوى